يرصد الباحث علي حسين باكير في ورقة تقييم -نشرها المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات- الموقف الإيراني والتركي من الثورة السورية منذ اندلاعها في مارس/آذار 2011، والخطوات التي تبناها كل طرف إزاء النظام السوري، وانعكاسات تلك الإجراءات على العلاقات بين البلدين، وما يمكن أن تؤول إليه العلاقة بينهما مستقبلا في ظل بحث مصير النظام السوري، وذلك ضمن رؤية إستراتيجية شاملة.
ويشير علي باكير في بحثه "الثّورة السورية في المعادلة الإيرانيّة التركية.. المأزق الحالي والسيناريوهات المتوقعة "، إلى أن الثورة السورية فاجأت طهران وأنقرة، كما فاجأت المتابعين والمراقبين المعنيين بالشأن السوري، وفاجأت النظام السوري قبل الجميع.
ويرى باكير أن الثورة السورية وضعت كلا من إيران وتركيا في مفترق طرق، كاشفة تناقض الأجندات الإقليمية للطرفين، مؤكدة ما كان يروج له البعض بأن وجود حلف يضم إيران وسوريا وتركيا و حزب الله في جبهة واحدة ما هو إلا محاولة لاحتواء الصعود التركي آنذاك ضمن المحور الإيراني في المنطقة العربية، ولمنع الاستفادة من دور تركيا في الحد من النفوذ الإيراني أو الاستعلاء الإسرائيلي.
تداعيات السقوط
ويعتبر الباحث أن سقوط نظام الرئيس بشار الأسد سيكون له تداعيات عميقة على بنية المشروع الإيراني في المنطقة انطلاقًا من كون سوريا المدخل الرئيسي لإيران إلى الساحة العربية، بحيث ستفقد إيران حليفا إستراتيجيا تاريخيا لا يمكن تعويضه مهما كانت المكتسبات اللاحقة، كما ستنقطع الحلقة الواصلة مع حزب الله ذراع طهران الرئيسية في المنطقة وفي لبنان، وسيفقد اللاعب الإيراني بذلك القدرة على التأثير المباشر في منطقة نفوذه مع سقوط المنظومة السورية السياسية والأمنية في لبنان.
ويضيف أن ما ينطبق على لبنان ينطبق على الساحة الفلسطينية، حيث ستفقد إيران القدرة على "استغلال" القضية الفلسطينية بالطريقة نفسها التي كانت قائمة سابقا، أو استخدام الساحتين اللبنانية والفلسطينية للحصول على مكاسب قومية.
ويرى باكير أنه إذا سقط النظام السوري سريعا، فإن المشروع الإيراني للمنطقة في شكله الموجود المعروف حاليا سيكون في حكم المنتهي، في انتظار جلاء التداعيات الكاملة والهزات الارتدادية لانهيار النظام السوري، والتي ستشمل المناطق الخاضعة للسيطرة الإيرانية سريعا، وربما وصولًا إلى إيران نفسها. ولذلك يتحرك النظام الإيراني على أكثر من صعيد ضمن سياسة حصر الخسائر وتمتين الجبهة.
واستبعدت الورقة البحثية أن تعاني تركيا كثيرا في حال سقوط النظام السوري، بشرط أن لا يذهب السيناريو إلى الفوضى، وقد لا تخسر تركيا إذا ما تم استبدال النظام السوري الحالي بنظام آخر وفقا للحسابات البعيدة المدى. فضلا عن أن أنقرة كانت قد اتخذت موضعا جيدًا من خلال دعم الشعب السوريّ في مكانٍ يؤهّلها لنسج علاقات إيجابية بناءة مع أي نظام جديد قادم في سوريا.
احتمال البقاء
وعلى خلاف كثير من القراءات التي تعتبر أن سقوط النظام السوري بات مسألة وقت فقط، فإن الورقة لم تستبعد نظريا على الأقل سيناريو بقاء النظام، وهو في حال حصوله سيرتب نتائج عكسية تماما للاحتمال الأول. فتوازن القوى الإقليمي على الصعيد الجيوسياسي سينتقل في هذه الحالة مؤقتا على المدى القصير والمتوسط ربما إلى الجانب الإيراني.
وسيكون المحور السوري الإيراني في موقع يسمح له بتحديد طبيعة علاقته مع الأنظمة الأخرى من خلال فرض سياسة الأمر الواقع، وسيختار هذا المحور على الأرجح الانتقال من الحالة الدفاعية حاليا على الصعيد الإقليمي إلى الحالة الهجومية، مستهدفا الدولتين الأكثر فعالية وأهمية على الصعيد الإقليمي في الوقت الحالي وهما تركيا والسعودية.
ووفق سياسة التحالف السوري الإيراني، فإن تركيا (بالنسبة إليهم) أثبتت أنها لاعب لا يمكن الوثوق به بعد اليوم، ولذلك فإن أول خطوة سيقوم بها هذا المحور -في حال نجاة النظام السوري من المحنة الحالية- هي تفكيك التركيبة الجيوسياسية للتأثير التركي في المنطقة عقابا لها على موقفها وعلى دورها غير المرغوب فيه.