تتفقد سكان بلدة الباب في شمال محافظة حلب منازلهم طوال أمس السبت، بعد أن شنت قوات النظام السوري غارة جوية أدت إلى مقتل 12 شخصا على الأقل في هذه البلدة التي تعد قاعدة خلفية للثوار، مما يجعلها ساحة للاشتباكات بين الجيشين الحر والنظامي.
وتنظر أم عمر إلى منزلها المدمر وتقول 'لقد خسرنا كل شيء، كل شيء'، بينما تحاول نساء مواساتها وهي تتحدث لمراسل وكالة الصحافة الفرنسية عن اضطرارها للهرب يوم الجمعة إلى المناطق الريفية بحثا عن الأمان، ففي كل جمعة تخرج المظاهرات ويزداد نزيف الدماء.
ويقول طبيب في إحدى العيادات الرئيسية بالبلدة إن 12 شخصا قتلوا في الغارة الجوية التي وقعت الجمعة وسوت العديد من المنازل بالأرض، بينما لا يزال الأهالي يبحثون عما يمكن انتشاله من تحت الأنقاض.
ويصف أحد السكان ما جرى بعد صلاة الجمعة، حيث ظهرت فجأة طائرة حربية وأخذت تحوم فوق المتظاهرين بعد خروجهم من المساجد، وفجأة بدأت بإسقاط القنابل واحدة تلو الأخرى على المدنيين، ويضيف أن ثماني غارات جرت خلال عشر ساعات.
ويقول أحد المتظاهرين واسمه يوسف الواطي إن النساء والأطفال لجؤوا إلى أقبية تحت الأرض، لكن البعض قتلوا تحت أنقاض منازلهم جراء القصف العشوائي على بلدة يبلغ عدد سكانها نحو 80 ألف نسمة.
وتدل الأسقف المنهارة والأسلاك العارية والجدران المدمرة على الغارات الجوية التي نشرت الذعر بين السكان، وتتناثر قطع الزجاج والأنقاض في العديد من الشوارع التي تضيق أيضا بالحفر، وقد رصد المراسلون ستة مواقع على الأقل دمرتها طائرات النظام، وهي أربعة مبان في ثلاث مناطق سكنية مختلفة، ومدرسة ومنطقة تسوق.
قاعدة خلفية
وإلى الجنوب من بلدة الباب، تقع مدينة حلب على بعد 30 كلم فقط حيث تدور أشد المعارك، مما يجعل البلدة قاعدة خلفية لمسلحي الجيش السوري الحر.
ويتحدث قادة الثوار عن خروج عشر كتائب من البلدة لشن عملياتهم في حلب.
وكان الجيش النظامي قد انسحب من بلدة الباب في أواخر يوليو/تموز الماضي للتفرغ لمعركة حلب، مما أتاح للجيش الحر فرض سيطرته على مناطق شاسعة تمتد من مشارف حلب حتى الحدود التركية شمالا.
ولكن سيطرة الجيش الحر على تلك المنطقة ما زالت مهددة بسيطرة جيش النظام على الأجواء، ويقول السكان إن أكثر الهجمات إثارة للرعب هي تلك التي يشنها الجيش بطائرات ميغ المقاتلة.
ويقول العديد من سكان بلدة الباب إن النظام يعاقب بلدتهم -التي انقطعت عنها الكهرباء منذ أيام عدة- بسبب دعمها للثورة، وكذلك بسبب المكاسب التي يحققها المقاتلون في مدينة حلب.
ذرائع الإرهاب
ويتساءل التاجر محمود علي -وهو يتفقد مخزنه المتضرر- 'هل هذا ما يسمونه عملية جراحية نوعية ضد الإرهابيين؟'، ويتابع 'الإرهابي الوحيد هو بشار الأسد'، ويضيف أحد الجيران المستمعين للحوار قائلا 'وطياروه الجبناء الذين لا يجرؤون على أن يخطوا خطوة واحدة في الشوارع'.
لكن الخوف سرعان ما يدب في قلوب السكان عندما تحلق طائرة أخرى على مسافة بعيدة، فيبدؤون في التساؤل عما إذا كانت ستستهدفهم مرة أخرى بقنابلها، بينما يصرخ عدد من الرجال 'لا تتجمهروا، لا تتجمهروا'، وتتركز كل العيون على تلك الطائرة المحلقة من بعيد في قلق إلى حين اختفائها.
ويعود الأهالي للبحث في الأنقاض، ويقول الشاب عمران -وهو ينفض الغبار عن شعره- إنه لن تجري جنازات كبيرة في البلدة لأن الناس يخشون استهدافهم أثناء التجمهر.
ويؤكد أن الناس باتوا مضطرين لكتم آلامهم ودفن موتاهم بهدوء دون تشييع ولا مظاهر تلفت الأنظار، ويضيف أن 'الأسد غاضب فقط من حريتنا'.